0
لطالما اشتهر المهرج بإضحاك الجمهور، فلا يهم حالته الشخصية أو المزاجية في حياته الشخصية فهو ناجح في إضحاك الجمهور، وخلف تلك المساحيق التي يلون بها نفسه يخفي الآمه وأحزانه وانكساراته الشخصية، ولعل هذا ما جعل الشعوب تطلق على المهرج لقب الضاحك الباكي.
وهو ما يجعلنا نتعاطف مع هذا الشخص الذي يبذل كل جهده من أجل إسعادنا حتى في أتعس لحظات حياته، وربما هذا أحد أسباب تعاطف الجمهور مع شخصية البطل في فيلم Joker، لأنهم شعروا بأن هذه الحالة بالفعل واقعية بصورة كبيرة، والحقيقة أن الجوكر ذكرهم بحقيقة أن الضحك هو الوجه الآخر للبكاء، وأن الشخص المضحك يختزن بداخله قدرًا كبيرًا من الدراما والألم والجنون.
وهي حقيقة أظهرتها لنا الحياة الفنية طوال الوقت لكننا دائمًا ما أبعدنا أعيننا عنها، وتلك الحالة يجسدها لنا موت الفنان Robin Williams منتحرًا وهو واحد من أشهر ممثلي الكوميديا في العالم، وأيضًا يمكن ملاحظة الجانب الدرامي للكوميدي حتى أثناء إلقاء دعاباته وهو ما يظهر في مونولوج إسماعيل ياسين الشهير “عيني علينا يا أهل الفن”، والذي يحكي فيه عن مأساة الفنان.
وتلك الحالة قد نجح المخرج تود فيليبس في استغلالها وإلقاء الضوء عليها في فيلمه Joker، وباعتباره فنانًا فقد فهم هذه الحالة أكثر من غيره، وقد يفاجأ البعض كون تود فيليبس واحدًا من أشهر مخرجي الأفلام الكوميدية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا القدر من الألم النفسي في الفيلم قد وصل إلينا من خلال كاميرا مخرج اشتهر بأفلام الكوميديا والتي سنقوم باستعراضها الآن معًا.
شهرة تود فيلبس كمخرج كوميدي
فقد اشتهر فيلبس في هوليوود من خلال أفلام كوميدية ذائعة الصيت، مثل The Hangover من إنتاج عام 2009، والذي يعتبر واحد من أجمل الأفلام الكوميدية في الألفية الجديدة، والذي أطلق فيه المخرج العنان لخياله الكوميدي المبهر، والفيلم من بطولة Zach Galifianakis وBradley Cooper.
ونتيجةً للنجاح المبهر فقد أخرج تود فيلبس الجزء الثاني للفيلم بعنوان The Hangover Part II بنفس طاقم الممثلين، وذلك في عام 2011، ولم يتوقف الأمر عند ذلك فقط فقد قدم لنا أيضًا جزءًا ثالثًا بعنوان The Hangover Part III ليصبح Hangover من أهم سلاسل الأفلام الكوميدية على الإطلاق.
ولا تتوقف أعماله عند Hangover وإلا لاعتبرناها مجرد مصادفة، فقد نجح تود فيلبس عبر السنوات في تدعيم فكرة كونه مخرجًا يتخصص في الأفلام الكوميدية بامتياز عن طريق إخراج الفيلم الكوميدي Starsky & Hutch في عام 2004، وهو من بطولة ثنائي كوميدي شهير هما Ben Stiller و Owen Wilson اللذان اشتهرا بسلسلة Night at the Museum.
وقدم لنا تود فيلبس أيضًا الفيلم الكوميدي Due Date في عام 2010، وهو من بطولة Zach Galifianakis و Robert Downey Jr الشهير بدور Iron Man في مارفل، ويعتبر آخر أعمال تود فيلبس قبل Joker هو فيلم War Dogs في عام 2016، وهو فيلم أكشن كوميدي من بطولة Jonah Hill المشتهر بتقديم الأدوار الكوميدية، ويشاركه الممثل Miles Teller.
كيف نجح تود فيلبس في فيلم درامي رغم كونه مخرجًا كوميديًا؟!
لعل هذه الأفلام التي رسخت تود فيلبس كواحد من أشهر المخرجين لأفلام الكوميديا هي التي مهدت لإخراجه فيلم Joker، فنحن لا نتحدث هنا عن فيلم لمجرم جاهل، أو لص يريد الأموال، بل نتحدث عن مهرج قد حولته الظروف إلى مريض نفسي، حتى أنه لا يستطيع أن يتوقف عن الضحك.
وهذا الأمر ربما يجعلنا نطلق على تود فيلبس نفسه لقب جوكر، فهو يتشابه في هذا الجانب مع شخصية البطل في الفيلم، وهذا ما جعله يتفهم الشخصية بشكل أعمق من الكثيرين، وقام بعرضها للجمهور بصورة قد تجعل البعض يتعاطف معها، على الرغم من كونها شخصية شريرة، وقد بنى كل هذا من منطلق أن Joker هو مريض نفسي قد صنعه المجتمع، فهو الضاحك الباكي كما قلنا.
الفنان الكوميدي هو أقدر الناس على إبكاء الجمهور
عندما نجح تود فيلبس في فيلم الجوكر بأن يثبت بأنه كفنان كوميدي يستطيع جعل الجمهور يبكي ربما بدرجة أكبر من مخرجي أفلام الدراما فهو يمثل حالة عامة في تاريخ السينما، فإلى جانب Robin Williams وإسماعيل ياسين اللذان أشرنا لهما من قبل يوجد طابور طويل من الفنانين الذين نجحوا طوال السنوات في إضحاك الجمهور وأيضًا في إسالة دموعه.
فهناك في هوليوود الممثل العبقري جيم كيري، والذي اشتهر بضحكاته الصاخبة، وحس الدعابة العالي، ووراء تلك الكوميديا الصاخبة التي يقدمها جيم كيري لجمهوره هناك حياة مأساوية قد خاضها، بدءًا من طفولته التي علق بنفسه عليها قائلًا “أنا أتذكر الوقت الذي كنت أقضيه باكيًا في الحمام خوفًا من أن يموت والداي بسبب تدخينهما المفرط”.
وقد قضى جيم كيري أوقات طفولته أمام المرآة ينظر إلى نفسه فقط ويقول بأنه قد اكتسب تعبيرات وجهه المتميزة لهذا السبب لأنه فقط كان يسخر من نفسه في المرآة في طفولته، وعاني جيم كيري من الاكتئاب في فترات طويلة من حياته، إلى جانب إدمانه للكحول، وخضع للعلاج عن طريق الفن والرسم.
أمثلة من فناني الوطن العربي
ولدينا في الوطن العربي العديد من الأمثلة على ممثلين كوميديين مرت حياتهم بالعديد من المنعطفات الدرامية والسوداوية، مثل النجم الكبيرنجيب الريحاني والذي أطلق عليه النقاد لقب “الضاحك الباكي”، ورغم كون نجيب الريحاني واحدًا من أعظم فناني الكوميديا على الإطلاق، إلا أنه قد برع في إبكاء الجمهور والتأثير نفسيًا فيه، أكثر من أي ممثل آخر، فحتى يومنا هذا يعتبر مشهده باكيًا مع ليلى مراد ويوسف وهبي أثناء غناء محمد عبد الوهاب في فيلم غزل البنات من عام 1949 كواحد من أكثر المشاهد تأثيرًا في نفوس الجماهير.
ولم يتوقف الأمر عند العظيم نجيب الريحاني كممثل كوميدي قادر على التأثير في الجمهور حد البكاء، فقد وصل لنفس المرحلة الفنان العظيم فؤاد المهندس، والذي نجح في إضحاك الجمهور طوال مسيرته الفنية كواحد من أعلام الكوميديا في الوطن العربي أجمع سواء في السينما أو المسرح أو التلفزيون.
وقد تجلت قدرته الهائلة في التأثير على الجمهور في أعمال مثل مسرحية “أنا فين وأنتِ فين” أثناء غناء استعراض “رايح أجيب الديب من ديله”، ومشهده الشهير مع الفنانة شويكار في نهاية المسرحية والذى أبكى الجمهور، وظهر ذلك أيضًا في مسلسل “عيون” والذي ظهر فيه في دور المحامي الشهير الذي يعاني من مرض السير نائمًا.
وكل تلك الأمثلة لفنانين من الغرب أو الشرق تثبت أن الفنان الكوميدي يختزن بداخله قدرًا كبيرًا من الدراما والألم حتى يفرغ نفسه لإضحاك الجمهور، فالإضحاك مهمة صعبة تتطلب موهبة عالية ونكران للذات، فإذا وصل الفنان للقدرة على إضحاك الجمهور فقد وصل إلى قلوبهم.
وبالتالي فمعرفته لأقصر الطرق لقلب المشاهد يساعده في إسالة دموعه إذا أراد ذلك عن طريق المخزون الهائل من الدراما التي يمتلكها، فبمجرد أن يؤدي الممثل الكوميدي دورًا دراميًا يفتح الباب للأحزان التي كتمها طوال حياته، فيتوحد مع الدراما ويندمج في تأدية الدور بصورة يعجز أي ممثل آخر عن تحقيقها.
وهذا بالضبط ما تعلمه تود فيلبس من مسيرته الفنية عن طريق أعماله الكوميدية التي اشتهر بها، فقد أصبح خبيرًا في الوصول إلى قلوب الجماهير وابتسامتهم من أقصر الطرق، ثم بعد ذلك قام بإثارة نفوسهم دراميًا بصورة واقعية ومخيفة، وهي ميزة لا يمتلكها إلا الكوميديان الناجح، وبذلك يتشابه تود فيليبس مع الجوكر نفسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق